الأدب في خدمة الثورة، نظرة على الأدب البروليتاري في عهد الثورة الروسية
الأدب والفنون هما مرآة المجتمع؛ لذا إنْ أردت أن تتعرف على مجتمع ما أو ثقافة شعب ما، عليك أن تتعرف على فنونهم وآدابهم.
add تابِعني remove_red_eye 11,914
يقول إريك فروم في كتابه (مفهوم الإنسان عند ماركس) بأن الجميع وعلى وجه الخصوص الاشتراكين الروس، قد أساءوا فهم الاشتراكية الماركسية بمفهومها الواسع، نحو تحرير الإنسان من قيوده وتقليل اغترابه عن جوهره الأصلي، وإتاحة المزيد من الخيارات أمامه ليعيش بوئام مع الطبيعة من حوله، بينما اختزلها الاشتراكيون الروس في وضع الطبقة العاملة (البروليتاريا) في مكانة أفضل قليلًا من ذي قبل، ولكن مع نفس القيود الخانقة التي عانو منها في ظل حكم القيصر. الأدب أيضا لم يكن بمنأى عن تلك القيود، فتم وضعه في إطار معين وقولبته ليلائم الأهداف الحزبية للاشتراكيين الروس.
في ظل الثورية الروسية (البلشفية) عام 1917م، والتي أحدثت تغيرات جذرية في شكل العالم، كان الأدب هو الآخر يتعرض للتغير والاستخدام من قِبل مديري الثورة، فكل شيء كان خاضعًا للرقابة والجميع يُملى عليه ما يتوجب كتابته، فبدلًا من أن يكون الأدب فعلًا إبداعيًّا أصبح يستخدم كطلبية يتم زخرفتها وتزينها حسب الطلب.
أتساءل، هل من الطبيعي أن نخضع الأدب لأهدافنا؟
ولكن هل من المنطقي أن نفعل غير ذلك، فالأدب في النهاية نتاج شخصي وليس قالبًا منفردًا بذاته يعلو على الجميع، فكما استخدمه فلاديمير ماياكوفسكي وألكسندر بلوك لتمجيد الثورة وسرد أحلامهم وخطط الحزب المستقبلية لإنقاذ الشعب من براثن البرجوازيين، كان على الناحية الأخرى كتاب آخرون أمثال ميخائيل بولغاكوف، يسخر من البروليتاريين وثورتهم ويشمئز من أفكارهم واندفاعهم المحموم لمشاركه كل شيء، عن طريق الكتابة أيضًا.
كُتّاب الثورة البلشفية
لأي ثورة كتاب كثيرون، سواء عن اقتناع وإيمان شخصي بروح تلك الثورة وأهدافها، ومحاولة شرحها للبسطاء عن طريق المسرح والرواية، أو بسبب فرض الرقابة والكتابة بنمط محدد لا يخرج عن خطوط الحزبية الثورية. علي رأس كتاب الثورة البلشفية كان مكسيم جورجي كاتب البروليتاريا الأول، آمَن جورجي بقوة الأدب في التأثير على العامة، وآمن أيضًا بضرورة تسخيره في خدمة الأهداف الحزبية للثورة الروسية، فجاءت كتابته بشكل أدبي رائع تضم أفكار الثوّار الروس، وتصف شجاعتهم وجَلَدهم ضد نظام القيصر وكل قوة برجوازية كانت تعمل على إخضاعهم.
في رواية الأم علي سبيل المثال، نسج جورجي الرواية على عدد محدود من الشخصيات التي تمثل الطبقة الأوسع من الشعب، مثل الأم التي يسيء زوجها معاملتها (والتي تشبه الكثير من النسوة في تلك الفترة)، وتعيش حياة مليئة بالخوف والعَوز، حتي يموت الأب الشرير المضغوط من ظروف العمل القاسية والفقر، ثم بعدها ينضم ابنها الشاب إلى حزب تجهل هُويّته، وتسمعهم يتحدثون بكلمات تجهل معناها، ولكنها تؤيدهم بقلبها وتحاول مساعدتهم رغم سذاجتها الطيبة، وتستمر الرواية في صفحاتها الكثيرة وهي تعرض أفكار الاشتراكيين الروس في قالب بسيط يسهل على العامة التعاطف معه، بل والاقتناع به.
المناضلون الثوريون على خشبة المسرح
جاءت المسرحيات أيضًا في ذلك العهد كوصف لأحداث الثورة البلشفية والحرب الأهلية، ضمن الحدود الدرامية التي وضعها الحزب الشيوعي، وكان على رأس الكتاب المسرحيين ميخائيل شاتروف الذي كتب سلسلة من المسرحيات تتحدث عن لينين وعن أفكاره وتمجده. فبرغم أن السلطات السوفيتية كانت تزعم أن تلك المسرحيات تعبر عن الإنسان الروسي في ثوبه الجديد بعد الثورة وترصد تغيراته الاقتصادية والإنسانية، فإنّها في الحقيقة كانت عبارة عن مسرحيات امتازت بالوثائقية، أكثر منها عمل درامي متكامل مبني على رؤية إبداعية.
ففي مسرحية (السادس من تموز) يؤرخ شاتروف الصراع بين لينين وسبيريدوفا زعيم الاشتراكيين اليساريين، ثم يستمر العمل ليؤكد على حديث لينين حتى نشعر بأنه عبارة عن وثيقة مسرحية. يقول الفيلسوف الألماني جورج هيجل في كتابه فلسفه التاريخ: “إن العقل البشري في ظل بحثه عن حقيقة ما يقوم بإخفائه بشكل لا واعٍ، الهدف الحقيقي لبحثه حتى يتحول هذا الإنسان بدوره لشخص يشعر بالاغتراب عن جوهره وهدفه الأصلي، إلا أنه رغم ذلك يشعر بالرضا والفخر”.
فهل كانت مهمة الأدب في ظل الاتحاد السوفيتي أن يتناول ظروف الإنسان الروسي بشكلها الحقيقي، ليُبيّن معاناته دون الزخرفة الحزبية، ويوضح أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية، دون أن يسرد خطط الحزب الوهمية؟ أم أنه من الأخلاقي أن يتمّ استخدامه للترويج للأفكار الحزبية، وأيضًا تجحيم أيّ إبداع ينفي تلك الأفكار، وهل يتوجب علينا كقراء أن ننبذ الأعمال الأدبية التي تم نشرها في عهد الاتحاد السوفيتي لكونها متحيزة للنظام السياسي آنذاك؟ أم أننا نبحث عن القيمة الجمالية فيها بغض النظر عن الهدف الذي خُلقت لأجله؟
في الحقيقة كل تلك الأسئلة تضعنا في إشكالية مهمة، وهي ما الهدف من كتابة الأدب؟ وهل يجب وضعه في قالب معين؟ أم أنه فنّ حرّ غير مُقولَب يمكن استخدامه كغرض ترويجي لأفكارنا وكسب مؤيدين لنا، بعيدًا عن المعايير الإنسانية والفنية التي تجعله شيئًا جذابًا لا ننفك نعود إليه في كل مرة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مقال مثير حول علاقة الأدب بالتغيرات التي تحدث للشعوب والدول
link https://ziid.net/?p=80472