كيف أعاد فيلم The Green Knight استكشاف الإيمان
فإذا كنت محبوسًا في درعتي هذه على حصان عظيم، ولا أحد هنا يمكن أن يضاهيني بقُواهم الضعيفة أطلب من المحكمة مباراة عيد الميلاد
add تابِعني remove_red_eye 1,810
في واحدة من الروائع السريالية لهذه السنة، يطل علينا الفارس الأخضر كأحدث إنتاجات استوديو A24، لكن ما يميّز هذا الفيلم أبعد كثيرًا عن أي إنتاج آخر يدور في رحاب عالم الملك آرثر، فما الذي يجعل هذا الفيلم مختلفًا عن أقرانه.
السيناريو والإخراج
المخرج وكاتب السيناريو هو ديفيد لوري، وهذا أعطى الفيلم رؤية واضحة وطريقٌ ثابت، لكن ما يميز السيناريو ليس تناسقه مع الإخراج بل كونه الأول في عالَم الميثولوجيا الآرثرية السينمائية الذي يقدم رؤيته بعيدًا عن التضحيات والملاحم العملاقة، فهو يكشف عن أطروحة سردية أولى في تاريخ الملك آرثر، والتي نُقلت لنا ببراعة فائقة من خلال مخرجنا بلقطات تعرف مكانها وسط الأحداث، لا لتكون شكلًا جماليًا مُكملًا للفيلم؛ بل لتحكي بلوحاتها ما يريد منك السيناريو أن تسمعه.
الإسقاطات والرموز الدينية
يمتلئ الفيلم المأخوذ عن قصيدة إنجليزية قديمة من الشعر الأرثري نسبة للملك آرثر بالرموز الدينية المسيحية من القرون الوسطى، في أواخر القرن الرابع عشر بالتحديد، والتي تحكي مغامرة سير غوين أحد فرسان الطاولة المستديرة، والذي يقبل تحدِّيًا من محاربٍ غامِض جلده أخضر وكذلك شعره، لحيته وثيابه، والذي يعرض أن يسمح لأيٍّ كان بأن يضرب عُنقه بالفأس على أن يتلقى المتحدي الضربة ذاتها بعد سنة ويوم، ويقبل غواين التحدي ويقطع رأس الفارس الأخضر بضربة واحدة، ليقف الفارس الأخضر ويلتقط رأسه، ويُذكر غواين بأن يُقابله في الموعد المحدد.
1. النجمة الخماسية
تم استخدام النجمة الخماسية في العصور القديمة كرمزٍ مسيحي دالٍّ على الحواسّ الخمس، أو لجروح المسيح الخمسة، وتلعب النجمة الخماسية دورًا رمزيًّا مُهمًّا في القصيدة الإنجليزية “السير غواين والفارس الأخضر”، حيث يزين الرمز درع البطل غواين، وينسبُ الشاعِر الذي لم يُذكَر اسْمه أصل الرمز إلى الملك سُليمان، ويوضح أن كل نقطة من النقاط الخمس مترابطة، وتمثل فضيلة مرتبطة بمجموعة من خمسة:
- غواين مثالي في حواسه الخمس.
- أصابع غواين الخمسة.
- جروح المسيح الخمسة.
- الشجاعة من أفراح مريم الخمسة ليسوع.
- تجسد فضائل الفروسية الخمس.
2. الفارس الأخضر
في قصة السير غواين يُطلق على الفارس الأخضر هذا الاسم لأن بَشرته وملابسه خضراء، والذي عُرِف بشكلٍ مختلف على أنه الرجل الأخضر، وهو كائن نباتي من الأساطير السلتية؛ دوره الرئيسي في الأدب الآرثري يتضمن كونه قاضيًا ومختبِرًا للفرسان، وعلى هذا النحو تعتبره الشخصيات الأخرى وَدودًا ولكنه مُرْعِب وغامِض إلى حدٍّ ما.
جزءٌ من قصيدة طلبه لمبارزة عيد الميلاد:
لا، لا أسعى إلى معركة، حقًّا أؤكد لك
ولأولئك الذين حَوْلي في هذه القاعة
والذين ليسوا سوى أطفالٍ بلا لِحًى.
فإذا كنت محبوسًا في درعتي هذه
على حصان عظيم، ولا أحد هنا
يمكن أن يضاهيني بقُواهم الضعيفة
أطلب من المحكمة مباراة عيد الميلاد
3. الحِزام
المعنى الرمزي للحِزام، في القصة قد فُسّر بطرق متنوعة. وتتراوح التفسيرات من الجنسي إلى الروحي، أولئك الذين يجادلون للاستدلال الجنسي ينظرون إلى الحِزام على أنه “كأس”، لكن من الجانب الروحي فقبول غواين للحِزام هو علامة على إيمانه المتعثر بالله –على الأقل في مواجهة الموت– لأنه أُعطي الحزام بغرَض الحفاظ على سلامته عندما يواجه الفارس الأخضر. [تفسير أقوى لدوره في السيناريو في النهاية]
الموسيقى والمونتاج
ألبوم موسيقي مثالي، لا يمكن تشاهد الفيلم دون أن تأخذ الموسيقى جزءًا من قلبك، كل لحظة بهذه الموسيقى متناسقة مع أجواء الفيلم بشكل لا يوصف، وبالتالي سيخلق حالة من الانسجام بين المشاهد والمشهد، مما سيسمح بحالة من الألفة والتوق لسماع هذه النغمات مرة أخرى. تستطيع سماعها من هنا. لكن كل هذا ما كنت لتستمتع به لولا المونتاج، والذي خلق لوحة كاملة متكامِلة الجوانب، من دون أيّ خلل يمكن ملاحظته، ستجد اللقطات تتركب بعضها فوق بعضٍ، تعرف طريقها المرسوم مُسبقًا.
تصميم الشخصيات
تحتاج هذه النقطة للانتباه بسبب التقسيم الغريب للحمل الدرامي داخل الفيلم، فبَطل قصتنا معروف من أول لحظة، جميع الأضواء مسلطة عليه، لكن على جانبية خلال رحلته الكثير من الشخصيات الجانبية، والتي تقدم حوارات وأفعال ثَرِيّة، تتسم بالتميز وصعوبة التجاهل، ثم تبدأ الشخصيات بأخذ بعض الثُّقْل الدرامي من غير أي تقديم أو جهد عظيم، وهذا لم أتعرض له من قبل، وأعتقد أن المسؤول عن هذا هو السيناريو وطريقة كتابته للقصة، ثم تحصل هذه الشخصيات على فرصة منافسة بطلنا على دور البطولة بدون أي خطر حقيقي على الدور.
شرح النهاية
حين ركع السير غواين ليتقبَّل مصيره، بدأ في سلسلة من الهلع والخوف من الموت المنتظر، وظهر كل هذا في سؤاله “إذا هذا كل شيء؟”، وبينما كان ردّ الفارس الأخضر بسيطًا “نعم، هذا كل شيء”، وبينما كان ينتظر غواين في وسط شبابه المتَّقد أن يبدأ في طرق أبواب أمجاده الخاصة، قرر الموت أن يخطو نحو عَتَبته كاسرًا كل أحلامه التي تعبر عن البشرية،
فللبعض، الفارس الأخضر هو المسيح، الذي تغلّب على الموت حين رفع رأسه المقطوعة من على الأرض، في حين أن غواين يمثل كل ما هو مسيحي، والذي في نضاله لمتابعة المسيح بأمانة، يختار الطريق الأسهل.
غواين اختار الحزام، وهرب وعاد إلى العَظَمة المنتظرة؛ حيث ورث حكم آرثر ومملكته العظيمة، وظل متمسكًا بالحِزام حتى وهو يتحمم، إلى أن طرق الموت بابه بعد أن أفقده كل شيء ورثه من قوة وسلطة، وهذا لأن الإيمان بالله، يتطلب القبول بأن أكثر ما يرغب فيه الإنسان لا يتوافق دائمًا مع ما خطط له الله، ويمكن القول إنه من الأفضل النظر إلى الحزام ليس على أنه موقف ما، ولكن كرمزٍ مُعقَّد ومتعدِّد الأوْجُه، يوضح اختبار غواين بأكثر من طريقة.
وحين خضع غواين في النهاية ونزع الحزام، أفاق من رؤيته تلك، ليكتشف أنه ما زال موجودًا، أما الفارس الأخضر فنظر له ثم نَزَع الحزام، وخضع لسلطة الله قائلًا: “الآن أنا جاهز”، فرد عليه الفارس الأخضر “أحسنت يا فارسي الشجاع، الآن أقطع رأسك”، لينتهي الفيلم بهذه الجملة والتي تمثل سعادة الخالق لقَبول المخلوق لمصيره النهائي.
الفيلم وموسم الجوائز
بهذا الأداء الموسيقى، وبهذا السيناريو والإخراج، أعتقد أني وجدت فلمي الأول لهذا العام، ولو تم تجاهُل هذا الفيلم في الأوسكار القادم فستكون سَقْطة صعبة التجاهُل، وجزء من انهيارٍ يمتد سنوات للخلف.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,810
مراجعة وتأمل في فيلم The Green Knight
link https://ziid.net/?p=89475