داليدا: أحبتها شعوب العالم. فما الذي خذلها؟
هل يقتل الحزن؟ نعم يمكن للحزن أن يكون قاتلًا فقد سبق وقتل الجميلة داليدا بسبب كسرة القلب
add تابِعني remove_red_eye 9,130
“سامحوني الحياة لم تعد تحتمل”.
من رسالة انتحار داليدا.
من منا لم يغن “سالمة يا سلامة” وهو عائد من رحلة مع أصدقائه أو أقاربه؟ من منا لم ينظر يومًا لداليدا بإعجاب؟ من منا لم ينبهر بلسانها متعدد اللغات وشهرتها العالمية التي جعلتها محط أنظار العالم أجمع؟
يوم الثالث من مايو عام (1987م) استيقظ العالم على فقدانه لداليدا، تاركة رسالة يأس وفقدان أمل للعالم. رحلت تاركة كل ما قد مر عليها من ألم وتعب. ما الذي حدث؟ كيف وصل بها الحال للانهزام والرحيل هربًا؟ أحبتها شعوب العالم فما الذي خذلها؟ أو من؟ هذا المقال ليس بحثًا، ولا هو تحليل لها. هو بالكاد ضوء ضعيف يقع على بقعة مظلمة لأحد الشخصيات التي ظلمها الحب وخذلها القلب رغم حب الملايين.
بدايتها
ولدت داليدا في مصر لأبوين من أصل إيطالي عام(1933م). اسمها الحقيقي كان “يولاندا كريستينا جيجليوتي”، كانت يولاندا فتاة جميلة، كانت تحمل القليل من الحول في عينيها، ولكن جمالها كان طاغيًا حيث فازت وهي صبية صغيرة بمسابقة جمال “Miss Ondina” عام(1951م). سُجن أباها بسبب أنه كان إيطالي، وكانت مصر في وجه الحرب العالمية الثانية وعندما خرج من السجن، تغيرت طباعه، فأصبح عنيفًا متحكمًا وقاسيًا. مات بعد عام أثر جلطة في الدماغ، كانت يولاندا تحلم بالشهرة والتمثيل، أن يصبح اسمها في كل مكان.
عملت تلك الفتاة الطموحة كسكرتيرة في شركة أدوية بضغط من الوالدة، ومع الوقت ظهرت أمامها مسابقة ملكة جمال مصر. خافت يولاندا من رد فعل أمها خاصة أنهم عائلة محافظة تنتمي للطبقات البسيطة. ذهبت يولاندا إلى هناك وكانت المفاجأة. فازت عام (1954م) باللقب “ملكة جمال مصر لهذا العام” كانت جائزتها عبارة عن حذاء ذهبي، فرحت به فتاتنا الفاتنة واعتبرته بداية بوابة الشهرة والمجد.. بداية حياة جديدة.
بعد ذلك، كانت حياة داليدا كفتاة جميلة تأخذ منحنى كله أمل، فعملت كبديلة لأحد الممثلات بسبب تشابه قوامها وشعرها الكثيف، وبهذا علمت داليدا أنها تستطيع السفر لفرنسا لبدء حياتها التي تحلم بها رغمًا عن أمها. سافرت وفي البداية لم تجد من يستطيع مساعدتها حتى تبناها أحد مدربي الصوت ليستطيع أن يخرج ما بها من صوت عملاق حنون حتى اليوم يتردد في كل بلدان العالم. عملت في النوادي الليلية حتى أصبحت تغني في الأماكن الكبيرة وحتى أصبح اسمها وحده يرفع المكان الذي تدخله تلك الفتاة الجميلة.
لن نتناول قصة الصعود بكل منحنياتها، لأن قصة صعودها لم تكن مصدرًا لفقدان الأمل والاستسلام، ففي النهاية داليدا كانت تغني بأكثر من خمس لغات كـالعربية، الإنجليزية، الفرنسية، اليونانية، الإسبانية، الإيطالية وأيضًا العبرية. كانت متعددة اللغات وهذا ما جعلها اسمًا لا يندثر حتى بعد موتها. وصلت داليدا للعالمية فأصبحت تمثل وتغني، كانت من أنجح النجمات في فرنسا والبلاد الأخرى. غنت لمصر وكانت تغني الأغنية الواحدة بالعديد من اللغات، كانت سيدة الأغنية الفرنسية وسيدة العالم لفترة ليست بقليلة. متعددة اللغات والمواهب، متواضعة لا تترك شهرتها لتُمحي جوانب حياتها الأخرى. فما الذي حدث؟
الحب يخذل والقلب المنكسر لا يرضيه شيء:
ما الذي يميز داليدا عن غيرها؟ برأيي أنها فتاة حلمت بالشهرة والمجد ولكنها فتاة لم تتخلَّ عن قلبها. فمنذ صغرها كانت تميل للحب حيث أول من دخل قلبها كان “أرماندو” الذي يذهب للكنيسة فقط لكي يحضر القداس مع حبيبته “يولاندا” ممسكين بأيدي بعضهم. داليدا كرهت والدها فقد ذكرت أنها كرهته كل مرة كان يضربها أو يضرب أخواتها أو يقوم بتعنيف أمها.. كانت تلك علامة أولى من علامات الحزن التي ستبقى معها.
ثاني العلامات والبقية كانت نابعة من قلبها؛ فقد أول حب دخل حياتها كان “لوسيان موريسي” تزوجته عام (1961م)، لم يستمر الزواج طويلًا، وفشل. قام لوسيان بالانتحار عام (1970م) والذي شكل لاحقًا صدمة لدي داليدا.
مرة أخرى تسلم داليدا قلبها، فقد أحبت مغنيًا شابًّا كان في بداية طريقه، يدعي “لويجي تنكو” كانا قد شاركا في مهرجان “سانريمو” ونجحت داليدا وأثارت الإعجاب، أما لويجي فقد حالفه الفشل. بعد المهرجان ذهبت داليدا لفندق لويجي لكي تواسيه وتُعلمه أنها بجانبه للنهاية، فكانت وللأسف أول من عثر على جثته غارقة في الدماء ممددة على الأرض أثر انتحار بالمسدس.
من أكبر الصدمات التي خلفت جروحًا لا تضمر والتي لم تتحدث عنها داليدا، ولكن قام بالإفصاح عنها أخوها المُنتج والذي كان معها في مسيرتها الفنية “أرلاندو”؛ فقد كانت هناك علاقة تجمع داليدا بطالب ذي (22) عامًا أما هي فكانت (34) عامًا. نتج عن تلك العلاقة حمل غير متوقع. ما شطر داليدا نصفين أنها حاولت الإجهاض في وقت كان هذا قانونًا ممنوعًا في كل من فرنسا وإيطاليا، مما أدى إلى مضاعفات ناتجة عن إهمال في عملية الإجهاض أدى إلى أنها أصبحت عاقرًا لن تستطيع الإنجاب مرة أخرى. كان هذا جرحًا لن يندمل. قامت داليدا في عام (1973م) بغناء أغنية مستوحاة من تلك الفاجعة تحت اسم “He Had Just Turned 18”.
قام صديقها المغني المقرب “مايك برانت”، بالانتحار عن طريق القفز من شرفة شقته في باريس عام (1975م). كل صدمة وكل فقد وكل انتحار ارتبط بداليدا قام بعمل قطع في قلبها. مزق جعله فتات. فقدت الحب والطفل وحلم الأمومة الذي يُولد مع معظم النساء على الأرض.. بدأت تخبو، ولم يكن لهذا الفقد من حل أو معالج، فقد رأي الجميع الفنانة العظيمة التي لن تُنسى، الذكية التي تغني باللغات والناجحة دائمًا وأبدًا، ولم يرَ أحد ما في داخلها، لم ير أحد أنها تمزقت وأنها أصبحت هيكلًا خارجيًّا هشًّا لن ينفعها حب الملايين.
عام (1983م) قام حبيبها السابق، “ريتشارد شانفري” بالانتحار بطريقة بشعة عن طريق استنشاق أول أكسيد الكربون.
اكتئبت داليدا وكانت بدأت تفقد المقربين، كما فقدت أمومتها، كما أنها كانت بدأت تكبر في السن، فيلاحظ على شكلها تغير في الملامح، فكان الاكتئاب ينهش فيها من الداخل والخارج، كانت بدأت تعتقد أن كل شيء تخلى عنها وأنها تفقد وتحزن أكثر مما تعيش.
عام (1987م) كتبت داليدا عبارتها المشهورة طالبة المسامحة من كل من يحبها، فقد حاولت و لم تستطع. تنازلت عن شهرتها وحياتها بحبوب الباربيتوارت المهدئة وذهبت لمكان حيث لا داليدا ولا أحزانها.
كرمها الفن عن طريق فيلم تلفزيوني عام(2005م) كان من حلقتين، تمثيل الجميلة الإيطالية “سابرينا فيريللي”. ثم فيلم سينمائي عام(2017م) وقامت بتمثيله عارضة ذات أصول إيطالية، وهي “سفيفا آلفيتي”. دفنت العظيمة في مقبرة بفرنسا تحمل تمثالًا بحجمها.. يمكنك البحث عنه تحت اسم مقبرة داليدا… فيظهر لك الجمال. جمال مثواها الأخير الذي نتمنى جميعًا أن تكون قد وجدت فيه السلام. لروحك السلام يا داليدا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 9,130
داليدا .. كيف كانت ولماذا خبت شعلتها؟ تعال معي للتعرف على أيقونة الجمال والموهبة
link https://ziid.net/?p=70946