بابا ياجا أو كيف تمتلك الإنسانية تراثًا متشابهًا.
في كتاب بابا ياجا حكايات تراثية تشبه الحكايات الألمانية والمصرية، وكذلك تشبه ألف ليلة وليلة.
add تابِعني remove_red_eye 61,981
في مقالٍ سابق عن تاريخ فن كتابة الرواية، تعرضت للحكايات الشعبية بشيء من السرعة فقد كان لا بد أن أتناولها لأنها أحد أصول الرواية، أو منابع استمدادها، لكن اليوم جئت لأحكي عن الحكايات الشعبية، وخاصة الحكايات الشعبية الروسية والتي جمعتها المترجمة رولا عادل رشوان، وقدمتها إلينا في كتابها (بابا ياجا: حكايات شعبية روسية) والذي قرأته نهاية العام المنصرم، وقد كان ختامًا رائعًا للعام، ولكم رغبت في أن أرشح الكتاب لكل من أعرفهم لأنه كتاب رائع حقًّا، كما أنه يصلح لأن يكون رفيقًا لك، في مواجهة الوحدة والأرق، وبالطبع يمكن أن نقرأ الكتاب لصغارنا من العام الثامن وحتى عمر الرابعة عشر مثلًا، ويصلح كذلك ترشيحًا ممتازًا للمراهقين، أو للمبتدئين في القراءة بوجهٍ عام، والقراءة في المترجم عن الروسية بشكلٍ خاص.
ما الحكايات الشعبية؟
الحكايات الشعبية هي تلك الحكاية التي تحكيها لك جدتك، أو أمك أو حتى يتناقلها الرجال في مجالسهم لتدلل على وجهة نظرهم، أو تسوق موعظة ما، إنها قصة لها بداية، ولها نهاية، تتصاعد فيها الأحداث ويتم حلها في النهاية، ترتبط مكوناتها بالبلدة التي تخرج منها، فتتغير الأسماء تبعًا لتغيرها، فمثلًا في قصة السندريلا، في التراث المصري تسمى ست الحسن والجمال، ومن ينقذها هو الشاطر حسن، لا الأمير، كما أن زوجة أبيها لم تكن الساحرة، بل كانت أمنا الغولة، التي أكلت ولدها لكن لم تأكلها لأنها هزيلة وفضلت أن تبقيها لتخدمها، المهم في الحكاية الشعبية أنها تنتقل عبر الأجيال، وربما تتغير فيها بعد التفاصيل إلا أنها في أغلب الأحيان تظل قادرة على الاحتفاظ بشخصيتها، كما أنها تسوق لنا موعظةً حسنة.
بابا ياجا حكايات تقربنا من روسيا
“كل امرئ له الحق في الحصول على جواب يشفي غليله قبل أن يمتد به العمر ويصيبه العجز” تشترك الإنسانية في الكثير من الأشياء، تجتمع على الخير والحق والجمال، من الصعب أن تجد مجتمعًا يرى الظلم حلوًا، تتغير القناعات في أجزاء بسيطة جدًّا من المعتقدات والأفكار، لذلك حينما تبدأ بقراءة الحكايات لا تتعجب حينما تكتشف أن تلك الحكايات تتشابه مع حكاية سمعتها من جدتك، بتغير القليل من التفاصيل، فالخطوط العريضة واحدة، الهيكل الكبير للحكاية واحد ولكن التفاصيل الداخلية تختلف قليلًا، وعلى سبيل المثال:
بابا ياجا، وأمنا الغولة والساحرات والعرابات؛ تشبه البابا ياجا أمنا الغولة كثيرًا “ففي حكاية بابا ياجا” في الكتاب هي ساحرة شريرة عجوز تستعد لأكل الفتاة الصغيرة الجميلة، وأمنا الغولة في التراث المصري من تستخدم ست الحسن والجمال، وحينما تعرف أن الشاطر حسن وقع في حبها تخطط لأكلها قبل أن يصل، ولقد لقيت الحكاية صدى واسعًا حتى إننا في الطفولة كنا نخاف أن تظهر أمنا الغولة من تلك الأماكن المظلمة لتأكلنا.
أما عن بابا ياجا فهي في التراث الروسي تلعب دور الساحرة بمختلف اشكالها، سواء كانت الشريرة كما في قصة “فاسيليا الجميلة” أو الماكرة، او حتى الحكيمة، ولكن حينما تقوم بدور الحكيمة فإنها تشبه بذلك العرابات الطيبات في التراث الشعبي الألماني، أو أولئك العرافات اللائي قمن برد سحر الساحرة على الأميرة النائمة.
تشابه التراث الشعبي الروسي مع مختلف دول العالم
في قصة “اللص وثمرات الخيار” لليو تولستوي، حيث يرى اللص ثمرات الخيار اللذيذة ثم يحلم بأنه سرق منها ما يكفي، ومن ثم باعه واشترى الدجاجات وباضت له الدجاجات بيضًا كثيرًا، ثم فقس البيض وصار دجاجًا، ثم باعه واشترى خنزيرًا إلا آخر الحكاية التي استغرق يتخيل فيها كيف ستغير الحكاية حياته كلها، وكيف سيمتلك ذات يوم حقلًا كبيرًا به الكثير من ثمرات الخيار، ثم يأتي لص ليسرق الخيار من حديقته فيصيح حتى يمسك به الحراس، وحينما يصيح هو يمسك به الحراس ويوسعونه ضربًا.
اتذكر أن يومًا قرأت قصة إنجليزية في طفولتي كانت تشبه تلك النسخة كثيرًا، وكذلك هناك نسخة مصرية من الحكاية، تحكي أن رجلًا خرج ليبيع البيض، وحلم أنه باع البيض وبثمنه اشترى خروفًا، ثم بقرة، ثم قطيعًا من الأبقار يبيعه ليتزوج، وينجب ولدًا، ويكبر الولد وفي زفافه سيرقص هكذا وبينما يستغرق الرجل في رقصته يسقط البيض من يديه فيتحطم، ويجلس جواره باكيًا، وهذه حكاية عما تفعله أحلام اليقظة فينا بالطبع.
كذلك هناك قصة “فاسيليا الجميلة” والتي تتشابه كثيرًا في بدايتها مع حكاية السندريلا من التراث الشعبي الألماني، لكن تدخل البابا ياجا يجعلها قصة مختلفة. وهناك قصة الملح أغلى من الذهب والتي تشبه كثيرًا حكاية “الملك لير” مع بناته ولا أعرف هل كان شكسبير متأثرًا بها، أم الروس هم من تأثروا بشكسبير أم هو محض تشابه فقط؟
وقصة “من يتحدث أولًا” التي تحكي عن زوجين عجوزين كسولين فرضَا أن من يتكلم أولًا هو من سيقوم بمهمة ما، تشبه قصة كان يحكيها لنا أبي عن ثلاثة من الرجال الكسولين، والذين جلسوا ذات يوم للغداء، ولكن نسي أحدهم أن يغلق الباب، وحينما طلب أحدهم إغلاق الباب من الآخر رفضوا، ثم قرروا مدة من الصمت ومن يكسرها أولًا يغلق الباب، فدخل كلب وأكل طعامهم ولم يتحدث أحد حتى لا يغلق الباب، فأكل الكلب طعامهم ولما وجدهم لا يتحركون، لعق وجه أحدهم فصاح فيه، وهنا نظر له الآخران بشماتة قائلين: “فلتغلق الباب إذن”.
أما عن قصة “فاسيليا الحكيمة” فهي تتشابه مع قصة في كتاب ألف ليلة وليلة، وهو ما يعني كما أسلفت سابقًا أن تراث الإنسانية واحد، والخطوط العريضة تتشابه باختلاف البلاد، ولكن هل يعني ذلك أن القصص الروسية متشابهة، لا على العكس فهناك الكثير من الحكايات خاصة بروسيا ولما أسمع بها من قبل وهو ما كان فرصةً رائعة للتعرف على ثقافة جديدة.
بابا ياجا الكتاب الفائز
حاز الكتاب على جائزة معرض الكتاب فئة “الكتاب المترجم للطفل” على الجائزة الأولى، وفي الحقيقة يستحق الكتاب أكثر من ذلك، لأنه كتاب جديد في موضوعه جمعها ألكسندر أفانسييف، وترجمته المترجمة الرائعة “رولا عادل رشوان” يتميز الكتاب بسلاسة اللغة، ورقتها ومناسبتها، حينما تقرأ الكتاب ستشعر بأنك تقرأ كتابًا عن المجتمع الروسي لكنه كُتب باللغة العربية.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,981
تعرف على أوجه الشبه بين بابا ياجا وبين التراث المحلي
link https://ziid.net/?p=83042