قراءة نقدية لرواية عزازيل للكاتب يوسف زيدان

هل سبق واختبرت رحلة بعالم الخيال؟ رحلة تفقد ذاتك بها لتجد نفسك قد أدركت كم كان لديك فكر مختلف وأصبحت تنظر للعالم بفكر جديد، مع رحلة بداخل كتاب ستجد تلك الحالة.

اليوم تذكرت أنني قد قرأت منذ ما يزيد عن أربعة أشهر رواية “عزازيل” للكاتب يوسف زيدان، أذكر أن تلك الرواية نالت العديد من الهجوم والاستحسان.

للعلم بالشيء، إذا كنت من محبّي القراءة ولم يسبق لك قراءتها، فأنصحك إذا كان لديك أطفال أقل من ثمانية عشر عاما أن تحتفظ بالنسخة بعيداً عنهم.

أما عن الكتاب نفسه، فنجد أن الكاتب يملك أدوات خاصة بالفعل تجعلك تصدق أن العمل حقيقي حتى لو كان غير ذلك، حيث يذكر بالبداية أن الكتاب هو ترجمه لعدة رقوق من الجلد وجدت مدفونة بجوار جدار بأحد الأديرة بالشام، لتبدأ الرحلة داخل الكتاب كسيرة ذاتية للراهب “هبيتا” الذي هو من مواليد صعيد مصر في فترة الحكم الروماني لمصر والاضطهاد الذي تعرض له الوثنيون. الجدير بالذكر أن الكاتب قد ذكر أسماء عديدة لشخصيات ووقائع حقيقية مما أضفى الواقعية الصرفة على العمل، حتى أنه يجعلك تنتقل بين العمل بنظام أرشفة معنون بـ (الرق الأول _ الرق الثاني…)  وهكذا.

هيكل الرواية

تم تقسيم العمل لثلاث فترات أساسية: فترة بداية رحلة الراهب هيبتا من الصعيد إلى الأسكندرية عبر نهر النيل، وما واجهه من مصاعب وذكريات في تلك الرحلة التي جعلته عرضه للقتل، والتزامه بالعبادة والتقشف، ثم دخوله المدينة متنكراً بزي فلاح ومقابلته لخادمة يونانية وثنية تخدم سيدا من التجار، حيث يبدأ معها رحلة الأنانية والرذيلة والكذب والخداع ليطّلع على المكتبة الضخمة التي يقتنيها التاجر، وطردها له بعد معرفتها حقيقته ثم التحاقه بالكنيسة وتوبته ورؤيته للعديد من الشواهد المهمة بتلك الفترة، مثل صراعات اليونان والرهبان ثم هروبه بعد ذلك برحلة شاقة للتطهير والمعمودية والتحاقه بكنيسة بيت لحم لتبدأ رحلة جديدة معه بامتهان الطب الذي قد تعلمه بالصعيد، ليصبح طبيبا راهبا يقصده العديد من المرضى خاصة أثناء رحلات الحج، وتطور علاقاته مع قادة الكنيسة وعلاقته بعد ذلك بقيادة الكنيسة الشرقية وانتقاله للشام، تلك الرحلة التي تخللتها الصعاب، ليستقر بالشام ويعيد زراعة إحدى الهضاب لتكون حديقة طبية.

وعلاقته بعد ذلك بفتاة لاجئة اشتغلت بالغناء بالدوقة وتكوين أول فرقة تضرع بالكنيسة وتولى كتابة الابتهالات بنفسه لكونه شاعرا، ومن ثم هروبه الغامض وتخليه عن الكنيسة.

أحداث حقيقية أم محض خيال روائي؟

في تلك الرحلة، نجد الجديد من المفارقات والأحداث. وهنا نتسائل: هل حقاً ذلك العمل حقيقي وتلك الرقوق بالفعل حقيقية؟ وهل كُتبت بالفعل باللغة السريانية؟ لو كان الأمر كذلك، فسنكون قد حصلنا على وثائق تاريخية يجب إظهارها علناً وفحصها وعرضها على لجان متخصصة؛ فهي ستكون ثورة تاريخية لفترة تاريخية مهمة من التاريخ.

أما إذا كان ذلك العمل من تأليف الكاتب وما كانت تلك الرقوق إلا من خياله؛ فهنا نجزم بعقلية كاتب عربي خصب الخيال يستطيع جعلك تندمج بالعمل بصورة مباشرة لتكون غير مستعد للابتعاد عن الكتاب بدون إنهائه لدرجة أنك تُصدم من النهاية المفتوحة للعمل التي لم تخلُ بالحبكة بل زادت التأثير، فالقليل من الكُتْاب يجيد النهايات المفتوحة.

ترابط العمل

بدأ الكاتب الرواية بالفعل بداية عادية تجذبك بهدوء لتجد نفسك تتعمق بالأحداث بدون تمهل. تمضي الأحداث ما بين تصاعد التوتر أو هبوط الوتيرة، لتجد نفسك ما بين شد وجذب، وهنا تظهر عبقرية الكاتب بجعلك متلهفا لكل جديد، وعلى نحوٍ لا يجعل الأحداث مملة رتيبة أو متصاعدة للنهاية لتشبه أفلام الخيال العلمي، فتجلّى بتلك النقاط التزامه بالواقعية الأدبية، ليصل للذروة التي تجعلك تقفز منتظراً النهاية لتفاجأ بالنهاية. ثم تبدأ الألغاز تفك واحدة تلو الأخرى بدون الإخلال بالمعنى ولا القادم من الأحداث، لتكون بالنهاية قد أصبحت تجزم أنك كنت تعايش الأحداث؛ وذلك لأنك قد زفرت الهواء الذي كنت تحتبسه برئتيك.

مآخذ على العمل

فقط يؤخذ على العمل حرية الكاتب الواضحة بعلاقة الراهب هيبتا بالجنس الأخر وتلك العلاقات التي كانت محل نقد من مدرسة الكتابة الأخلاقية، فهنا سنجد أن العمل يتم تصنيفه لفئة فوق سن الثامنة عشرة، رغم ما به من جماليات أدبية ودروس مميزة لكيفية دمج الأحداث الواقعية لإضافة المصداقية على الأعمال الروائية.

يجدر بالذكر أن من أهم القواعد التي يستخدمها الكاتب المحترف هي إضافة حدث واحد واقعي لرواية يجعلها واقعية، أو إضافة حدث واحد غير واقعي لخبر صحفي وتحقيق يجعله غير حقيقي.

تلك كانت رحلتي معكم برحلة داخل كتاب من وجهة نظر قارئ وناقد. هل لديك كتاب لفت نظرك تريد أن نقوم برحلة بداخله، شاركنا به وسنحاول أن نقدم لك دراسه له وتحليل لإمكانيات الكاتب.

ملاحظة:

الثقافة ليست حكراً لأحد؛ فكل قارئ هو ناقد، وليس كل ناقد كاتب . التحليل والرؤية الخاصين لا يعنيان عين الحقيقة؛ بل هما ذوق شخصي ورؤية فردية للأعمال الأدبية.