من هو مالك بن نبي؟

كثيرًا ما نصادف الكثيرين من المهووسين بشخصيات غربية، فتجدهم إما يتمنون لقاءهم وإما متقمصين شخصياتهم، من خلال اللباس أو طريقة الكلام أو قصة الشعر وما إلى ذلك ولكن هل صادفتم شخصًا ما مهووسًا بشخصية عربية لدرجة أن يتمنى أن يشاركه العالم كله أفكارها ومبادئها ورسالتها؟ إنها أنا!

في هذه الأسطر سنتعرف على “مالك بن نبي” مَنْ هو “مالك بن نبي”؟ ما هي رسالته التي جعلت الكثير من الباحثين يذهبون وراءها ساعين لإكمال ما بدأ فيه هو.

تقول الدكتورة “فوزية بريون”: إن رسم صورة مفصلة لحياة “مالك بن نبي” قد يكون مهمة صعبة لأنها تعتمد على مصادر محدودة العدد والتوثيق، وأهم مصدر لذلك هو سيرته الذاتية “مذكرات شاهد القرن” بجزأيها، والتي قدمت للقارئ في صورة أدبية حيث زعم “ابن نبي” في المقدمة أن شخصًا مجهولًا قد وضع تحت قدميه حزمة من الأوراق حيث كان يسجد للصلاة في أحد مساجد قسنطينة وأنه عندما اطلع على تلك الأوراق وجدها تحكي قصة شخص ولد في الزمان والمكان اللذين ولد فيهما “ابن نبي” متخذا مدخلًا أدبيًا استعمل فيه شخصية أخرى أسماها الصديق قناعًا يمكنه من أن يخاطب القراء من وراء حجاب.

من الواضح أن سيرة الصديق في حقيقتها سيرة بن نبي نفسه وذلك لتطابق عدد من المعلومات كزمن ومكان المولد والدراسة وزواجه الأول، بالإضافة إلى أنه كان يدعى بين أهله باسم الصديق بدل مالك.

ما هي أسباب تستر “مالك بن نبي” وراء شخصية “الصديق”؟

• أولًا: ربما كان يتحاشى النظرة السائدة في المجتمع العربي للكتابة عن الذات بوصفها نوعًا من إبراز النفس -وربما الغرور- ونتيجة لذلك فإن الشخصيات المتميزة نادرًا ما تقدر في أثناء حياتها ولا تكتسب إنجازاتها أهمية إلا بعد وفاتها كما لاحظ ذلك أحد الأدباء حين أشار إلى أننا شعب يحب الموتى ولا نرى فضائل الأحياء حتى يستقروا في أعماق الأرض.
• ثانيًا: “ابن نبي” لم يكن حريصًا على لفت الانتباه إلى شخصه وإنما كان مهمومًا بأفكار ورؤى معينة، أراد أن يبرزها فعالم الأفكار عنده أكثر أهمية من عالم الأشخاص ولذلك فقد قدم للقارئ مذكراته من وراء حجاب.

من هو مالك بن نبي؟

هو مالك بن الحاج بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي، مفكر جزائري وأحد أهم رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين. لقب بفيلسوف الحضارة ومهندسها، ولد في خمسة من ذي القعدة (1323) هجري، الموافق للفاتح من كانون الثاني يناير (1905م) في مدينة قسنطينة إحدى المدن الكبرى شرق الجزائر.

نشأته

نشأ “مالك” في أسرة متدينة لها اطلاع على مجريات الأحداث متأثرة بالواقع الأليم الذي كانت تمر به الجزائر، حيث كانت آنذاك تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الغاشم، كانت قصص جدته هي المدرسة الأولى التي تعرف منها “مالك بن نبي” على جرائم الاستعمار، كما تعلم منها القيم والأخلاق السامية حيث يقول:

تعلمت من جدتي أن الصدقة والعطف على الفقراء من أهم الأخلاق التي اعتنى بها الإسلام.

وقد أثرت فيه أحاديث جدته حيث قام بتحويلها إلى سلوك عملي وهو في سن السادسة من عمره حيث أعطى وجبته في يوم من الأيام لمتسول.

أرادت العائلة أن يتربى ابنها تربية دينية فأرسلت به إلى الكُتّاب ومع فقر أسرته يروي “مالك بن نبي” أنه في يوم من الأيام اضطرت والدته عندما وجب تسديد ما يستحق شهريًا إلى الكُتّاب الذي انتظم في حلقته أن ترهن في مقابل أجرته سريرها، ويقول “مالك بن نبي” عن نشاطه الديني: كنت أتردد على المسجد وأقوم بتأدية الصلاة منذ الصغر، وكنت في يوم الجمعة ألبس زيًّا خاصًا، وكان الجمهور في الليل يتوزع على طائفتين: إحداها تذهب للمقاهي الأهلية حيث يقص القصاص حكايات ألف ليلة وليلة أو ملحمة بني هلال، والأخرى تبقى في المسجد بعد صلاة العشاء لتسمع درس الإمام، وقد كان وعيي يتكون تحت تأثير التيارين.

وبقي “ابن نبي” ينتقل بين فرنسا والجزائر إلى أن استقر بمصر عام (1956م) حيث تعلم هناك اللغة العربية وعمل على ترجمة كتبه التي كانت باللغة الفرنسية إلى العربية ونشرها ولم يرجع بعدها الى فرنسا وافترق عن زوجه خديجة، وفي أواخر الخمسينات تزوج ثانيةً من قريبة له وعاد إلى الجزائر وبقي نشيطًا في العمل الفكري، وقد بدأت صلته بالعالم الإسلامي عن طريق مصر حيث قام بزيارة سوريا عام (1958م) ومكث بها حوالي ثلاثة أشهر ثم زار لبنان وأقام بها شهرًا، كما زار السعودية عدة مرات وحج أربع حجات، وألقى فيها مجموعة من المحاضرات، كما قام بزيارة تونس وليبيا، وزار بعض الدول الإسلامية مثل الكويت وإندونيسيا، وكانت زيارته لهذه الدول  مهمة رسمية في أثناء عمله في إدارة التعليم العالي بالجزائر، وزار إلى الصين والاتحاد السوفيتي وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكلها كانت زيارات رسمية.